فصل: تفسير الآية رقم (96):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (96):

{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}
قوله عزّ وجلّ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} يعني صيد الماء سواء كان من بحر أو نهر أو عين أو بئر فصيده حلال للمحرم والحلال في الحرم والحل. {وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} في طعامه قولان: أحدهما: طافيه وما لفظه البحر قاله أبو بكر وقتادة، والثاني: مملوحه قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وقوله: {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} يعني منفعة المسافر والمقيم وحكى الكلبي: أنّ هذه الآية نزلت في بني مدلج وكانوا ينزلون بأسياف البحر سألوا عمّا نضب عنه الماء من السمك فنزلت هذه الآية فيهم.

.تفسير الآية رقم (97):

{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)}
قوله عزّ وجلّ: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ} في تسميتها كعبة قولان: أحدهما: سميت بذلك لتربيعها قاله مجاهد، والثاني: سميت بذلك لعلوها ونتوئها من قولهم قد كعب ثدي المرأة إذ علا ونتأ وهو قول الجمهور، وسيمت الكعبة حراماً لتحريم الله تعالى لها أن يصاد صيدها أو يختلى خلاها أو يعضد شجرها.
وفي قوله: {قِيَاماً لِّلنَّاسِ} ثلاثة تأويلات، أحدها: يعني صلاحاً لهم قاله سعيد بن جبير والثاني: تقوم به أبدانهم لأمنهم به في التصرف لمعايشهم، والثالث: قياماً في مناسكهم ومتعبداتهم.

.تفسير الآية رقم (100):

{قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}
قوله عزّ وجلّ: {قُل لا يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالْطَّيِّبُ} فيه ثلاثة تأويلات أحدها: يعني الحلال والحرام قاله الحسن، والثاني: المؤمن والكافر قاله السدي، والثالث: الرديء والجيد.
أو المؤمن والكافر..
{وَلَوْ أعْجَبَكَ} الحلال والجيد مع القلّة خير من الحرام والرديء مع الكثرة قيل لما همَّ المسلمون بأخذ حجاج اليمامة نزلت.

.تفسير الآية رقم (101):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)}
{لا تَسْئَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ} لما أحفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسألة صعد المنبر يوماً، فقال: «لا تسألوني عن شيء إلا بيّنته» فلف كل أنسان منهم ثوبه في رأسه يبكي، فقاله رجل كان يدعى إذا لاحى لغير أبيه: يا رسول الله من أبي قالوا: أبوك حذافة فأنزل الله {لا تَسْئَلُواْ}، أو لما قال: كتب الله عليكم الحج فقيل له أفي كل عام؟ فقال: لو قلت نعم لوجبت، اسكتوا عني ما سكت عنكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، أو في قوم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة، والوصيلة والحامي. {وَإِن تَسْئَلُواْ} نزول القرآن عند السؤال موجب لتعجيل الجواب {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} المسألة، أو الأشياء التي سألوا عنها.

.تفسير الآية رقم (102):

{قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102)}
{قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ} قوم عيسى عليه الصلاة والسلام سألوا المائدة ثم كفروا بها، أو قوم صالح عليه الصلاة والسلام سألوا الناقة ثم عقروها وكفروا بها، أو قريش سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُحَوِّل لهم الصفا ذهباً، أو الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم مَنْ أَبِي ونحوه فلما أخبرهم به أنكروه وكفروا به.

.تفسير الآية رقم (103):

{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)}
{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ} ما بحر، ولا سيَّب ولا وصل، ولا حمى حامياً. {بَحِيرَةٍ} الناقة تلد خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكراً ذبحوه وأكلوه وإن كان رُبَعة بتكوا أذنيها فلم يشرب لبنها ولم يوقر ظهرها، أو إذا ولدت خمسة أبطن، وكان أخرها ذكراً شقوا إذن الناقة وخلوها فلا تُحلب ولا تُركب، أو البحيرة: بنت السائبة. {سَآئِبَةٍ} مسيبة، كعيشة راضية أي مرضية، كانت تفعله العرب ببعض مواشيها فتحرم الانتفاع بها تقرباً إلى الله تعالى، وكان بعض أهل الإسلام يعتق العبد سائبة لا ينتفع به ولا بولائه، كان أبو العالية سائبة فمات فلم يأخذ مولاه ميراثه، وقال: هو سائبة، فإذا تابعت الناقة عشرة أبطن كلهن إناث سيبت فلم تركب، ولم يُجَز وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف، فما نتجت بعد ذلك من أنثى بُحرت أذنها وسميت بحيرة وسيبت مع أمها، أو كانوا ينذرون السائبة عند المرض فيسيب البعير فلا يركب ولا يجلأ عن ماء. {وَصِيلَةٍ} الوصيلة من الغنم اتفاقاً إذا ولدت الشاة سبعة أبطن فإن كان السابع ذكراً ذبحوه وأحلوه للرجال دون النساء، وإن كان عناقاً سرحت في غنم الحي، وإن كان ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها فسميت وصيلة، او كانت الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن لا ذكر فيهن جعلت وصيلة وكان ما تلده بعد ذلك للذكور دون الإناث. أو كانت الشاة إذا ولدت ذكراً ذبحوه لآلهتهم قرباناً، وإن ولدت أنثى قالوا: هذه لنا، وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوه لأجلها. {وَلا حَامٍ} إذا نتج البعير من ظهره عشرة أبطن قالوا: حمى ظهره ويخلى، أجمعوا على هذا.

.تفسير الآية رقم (106):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106)}
{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الشهادة بالحقوق عند الحكام، أو شهادة الحضور للوصية، أو أيمان عبّر عها بلفظ الشهادة كما في اللعان {عَدْلٍ مِّنكُمْ} أيها المسلمون، أو من حي الموصي، وهما وصيان أو شاهدان يشهدان على وصيته. {مِنْ غَيْرِكُمْ} من غير أهل ملتكم من أهل الكتاب، أو من غير قبيلتكم. {أَوْ ءَاخَرَانِ} (أو) هنا للتخيير في المسلم والكتابي، أو الكتابي مرتب على عدم المسلم، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. {تَحْبِسُونَهُمَا} توقفونهما للأيمان، خطاب للورثة. {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} تقديره فأصابتكم مصيبة وقد أوصيتم إليهما. {الصَّلاةِ} العصر، أو الظهر والعصر، أو صلاة أهل دينهما من أهل الذمّة قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {إِنِ ارْتَبْتُمْ} بالوصيين في الخيانة، أحلفهما الورثة، أو إن ارتبتم بعدالة الشاهدين أحلفهما الحاكم لتزول ريبته، وهذا إنما يجوز في السفر دون الحضر. {ثَمَناً} رشوة أو لا نعتاض عليه بحقير.

.تفسير الآية رقم (107):

{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107)}
{عُثِرَ} اطلع على أنهما كذبا وخانا، عبّر عنهما بالإثم لحدوثه عنهما. {اسْتَحَقَّآ} الشاهدان، أو الوصيان. {فَآخَرَانِ} من الورثة. {يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} في اليمين. {الأَوْلَيَانِ} بالميت من الورثة، أو الأوليان بالشهادة من المسلمين: نزلت بسبب خروج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بدَّاء فمات السهمي بأرض لا مسلم بها فلما قدما تركته فقدوا جام فضة مخوص بالذهب، فأحلفهما الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم وُجد الجام بمكة فقالوا: اشتريناه من تيم وعدي بن بداء، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم، وفيهم نزلت الآيتان، وهم منسوختان عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال ابن زيد: لم يكن الإسلام إلا بالمدينة فجازت شهادة أهل الكتاب واليوم طبق الإسلام الأرض، أو محكمة عند الحسن.

.تفسير الآية رقم (109):

{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)}
{لا عِلْمَ لَنَآ} ذهلوا عن الجواب للهول ثم أجابوا لما ثابت عقولهم، أو لا علم لنا إلا ما علمتنا، أو لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا، أو لا علم لنا ببواطن أُممنا فإن الجزاء على ذلك يقع قاله الحسن، أو {مَاذَآ أُجِبْتُمْ} بمعنى ماذا علموا بعدكم. {عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} للمبالغة، أو لتكثير المعلوم، وسؤاله بذلك مع علمه إنما كان ليعلمهم ما لم يعلموه من كفر أممهم، ونفاقهم، وكذبهم عليهم من بعدهم أو ليفضحهم بذلك على رؤوس الأشهاد.

.تفسير الآية رقم (110):

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)}
{اذْكُرْ نِعْمَتِى} ذكره بها وإن كان لها ذاكراً ليتلو على الأمم ما خصه به من الكرامات والمعجزات، أو ليؤكد حجته، ويرد به جاحده. {أَيَّدتُّكَ} قويتك من الأيد، ليدفع عنه ظلم اليهود والكافرين به، أو قوّاه على أمر دينه. {بِرُوحِ الْقُدُسِ} جبريل عليه السلام والقدس هو الله تعالى {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ} تعرفهم بنبوتك، ولم يتكلم في المهد من الأنبياء غيره، وبعث إليهم لما ولد وكان كلامه معجزة له، وكلمهم كهلاً بالدعاء إلى الله تعالى وإلى الصلاة، والزكاة، وذلك لما صار ابن ثلاثين سنة ثم رفع. {الْكِتَابَ} الخط، أو جنس الكتب. {وَالْحِكْمَةَ} العلم بما في تلك الكتب، أو جميع ما يحتاج إليه في دينه ودنياه {تَخْلُقُ} تصور. {فَتَنفُخُ فِيهَا} الروح، والروح: جسم تولى نفخها في الجسم المسيح، أو جبريل عليهما السلام {فَتَكُونُ طَيْراً} تصير بعد النفخ لحماً ودماً، ويحيا بإذن الله لا بفعل المسيح. {وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ} تدعو بإبرائهما، وبإحياء الموتى فأُجيب دعاءك، نسبه إليه لحصوله بدعائه، ويجوز أن يكون إخراجهم من قبورهم فعلاً للمسيح عليه الصلاة والسلام بعد إحياء الله تعالى لهم، قال ابن الكلبي: والذين أحياهم رجلان وامرأة.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)}
{أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّنَ} ألهمتهم كالوحي إلى النحل، أو ألقيت إليهم بما أريتهم من آياتي أن يؤمنوا بي وبك فكان إيمانهم إنعاماً عليهم وعليه لكونهم أنصاره.

.تفسير الآية رقم (112):

{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)}
 المائدة- {يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله أو هل تستطيع سؤال ربك {يَسْتَطِيعُ} يقدر، أو يفعل، أو يجيبك ويطيعك. (المائدة) ما عليها طعام فإن لم يكن فهي خوان سميت مائدة، لأنها تميد ما عليها أي تعطيه. {اتَّقُواْ اللَّهَ} معاصيه، أو أن تسألوا الأنبياء الآيات عنتاً، أو طلباً لاستزادتها. {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} أي مصدقين بهم أغناكم دلائل صدقهم عن آيات أُخر.

.تفسير الآية رقم (113):

{قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)}
{نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا} لعلهم طلبوا ذلك لحاجة بهم، أو لأجل البركة. {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} تحتمل بإرسالك، أو بأنه قد جعلنا من أعوانك. {وَنَعْلَمَ} علماً لم يكن لنا بناء على أنّ سؤالهم كان قبل استحكام معرفتهم، أو نزداد علماً ويقيناً إلى علمنا ويقيننا.

.تفسير الآية رقم (114):

{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)}
{الَّلهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ} سأل ذلك لإظهار صدقه عند من جعله قبل استحكام المعرفة، أو تفضل بالسؤال بعد معرفتهم. {عِيداً} نتخذ يوم أنزالها عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا، أو عائدة من الله تعالى علينا وبرهاناً لنا ولمن بعدنا، أو نأكل منها أوَّلنا وآخرنا {وَءَايَةً مِّنكَ} على صدق أنبيائك، أو على توحيدك. {وَارْزُقْنَا} ذلك من عندك، أو الشكر على إجابة دعوتنا.

.تفسير الآية رقم (115):

{قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)}
{إِنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} لما شرط عليهم العذاب إن كفروا بها استعفوا منها فلم تنزل، قاله الحسن أو نزلت تحقيقاً للوعد، وكان عليها ثمار الجنة، أو خبز ولحم، أو سبعة أرغفة، وسبع جفان، أو سمكة فيها طعم كل طعام، أو كل طعام إلاّ اللحم، أُمروا أن يأكلوا ولا يخونوا ولا يدخروا فخانوا وادخروا فرُفعت، قال مجاهد: ضُربت مثلاً للناس لئلا يقترحوا الآيات على الأنبياء. {عَذَاباً} بالمسخ، أو عذاباً لا يعذب به غيرهم، لأنهم رأوا من الآيات ما لم يره غيرهم، وذلك العذاب في الدنيا، أو في الآخرة. {الْعَالَمِينَ} عالمي زمانهم، أو جميع الخلق، فيعذبون بجنس لا يعذب به غيرهم.

.تفسير الآية رقم (116):

{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)}
{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى} قاله لما رفعه إلى السماء في الدنيا، أو يقوله يوم القيامة فيكون {إذ} بمعنى {إذا} وهذا أصح لقوله: {هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] {ءَأَنتَ قُلْتَ} سؤال توبيخ لقومه، أو ليعرف المسيح عليه الصلاة والسلام أنهم غيروا وقالوا عليه ما لم يقل. {إِلهَيْنِ} لما قالوا إنها ولدت الإله لزمهم أن يقولوا بإلاهيتها للبعضية فصاروا بمثابة القائل بإلاهيتها.